الجانب الثاني من هذه التيارات التي تهدف إلى هدم الإسلام جانب : المذاهب الفكرية المعاصرة التي أفرزتها المدنية الغربية،ووجهت إلى بلاد المسلمين لأهداف لا تخفى على عاقل، فضيلة الدكتور/
سفر، وهو من هو مع هذه التيارات -جزاه الله خيراً- نريد منه مثل هذه البرقيات المستعجلة، حتى نقف عند إحدى هذه التيارات لمحاولة إلقاء الضوء على شيء من تفصيلاتها، فليتفضل مشكوراً.
يقول الشيخ
سفر:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، نبي الرحمة، ونبي الملحمة، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أمـا بعـد:
فنبدأ برقياتنا بالحديث الموجز تاريخياً عن نشأة وتاريخ الشق الثاني من الكماشة التي تريد أن تطبق فكيها، وقد أطبقتهما فعلاً في عصور متعاقبة على هذه الأمة المجتباة المصطفاة، وهو ما يتعلق بالمذاهب الفكرية في
أوروبا، وفي أصل هذه المذاهب، وتأثرها في العالم الإسلامي.
وأقول: إن الله تبارك وتعالى قد بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمة للعالمين كافة وللناس بشيراً ونذيراً، وكانت تتصارع على هذه الدنيا، على الرقعة المعمورة منها مملكتان عظيمتان: مملكة الفرس شرقاً، ومملكة الروم غرباً.
فأما مملكة الفرس فقد مزقها الله تبارك وتعالى كما مزق كسرى كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخضعها لهذا الدين، ولهذا انتهجت في عدائها للمسلمين بعد سقوطها وانتهاء عرشها المنهج الذي سمعنا جزءاً منه وهو: أنهم دخلوا في الدين نفاقاً، وأخذوا يدسون فيه الفرق والطوائف، وبنظرة سريعة عابرة على نشأة الفرق ومصادرها وبيئاتها، نجد أن معظم الفرق التي نشأت وظهرت لهدم هذا الدين وتغيير ملته هي من هذه المملكة ومما حواليها، بخلاف الجناح الغربي من العالم الإسلامي، وذلك لأنها وجدت أن هذه هي الفرصة التي تستطيع من خلالها أن تنال من هذا الدين، وهذا ما أثبته علماء الإسلام، ودونوه في دواوينهم كـ
ابن الجوزي رحمه الله، و
ابن حزم، و
ابن تيمية، و
ابن القيم، وغيرهم من أعلام التاريخ الفكري والفرق في الإسلام.
وأما الجانب الآخر أو المملكة الأخرى فهي مملكة الروم: وهذه يطول الحديث عنها جداً؛ لأن معركتها مستمرة وبأوجه كثيرة متعددة، وهي التي تتولى كبر العداوة للعالم الإسلامي في العصور المختلفة، ومنها ما نراه اليوم من عداوة سافرة، ومن محاولة جادة للانقضاض عليه، والإجهاز على هذا الدين وأهله، وليس في تاريخ المعارك الفكرية أو الحضارية أو الميدانية أيضاً معركة أطول من المعركة بين المسلمين وبين الروم، وبين العالم الغربي الصليبـي اليهودي، إن هذه المعركة ابتدأت منذ ظهور محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهجرته إلى المدينة وكفر اليهود به كما قال الله: ((
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ))[البقرة:89] ولن تنتهي هذه المعركة إلا بقيام الساعة، وبظهور الدجال حيث تكون الملحمة الأخيرة مع الروم كما بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحاديث كثيرة، وبعد المعركة وبعد أن ينتصر المسلمون ينادي الصريخ بأن الدجال قد ظهر، وتستمر المعركة كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {
لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بـالأعماق أو بـدابق} والهدف هو الهدف وهو البلاد التي ودعها "
هرقل" وقال: ''سلام عليك يا
سوريا سلام لا لقاء بعده'' هي نفسها البلاد التي تظل محط أنظار الصليبيين بين يدي الساعة، والمكان هو المكان، وقد بينه الله تبارك وتعالى حين قال: ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))[المائدة:51].
وقال: ((
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ))[البقرة:120].
هذه عداوتهم، كما بينها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا طول المعركة، ولا نستطيع إلا أن نستعرض بإيجاز شديد جوانب أو خطوطاً تاريخيه لهذه المعركة بعد أحداث الفتوحات الأولى التي لا تخفى على أحد، وأن الله فتح للمسلمين مملكة الروم أو الامبراطورية الشرقية، والتي لم يبقَ لها من قارة
آسيا إلا أجزاء ضئيلة في
الأناضول أما شمال
أفريقيا، و
الشام، و
مصر وهي أكبر مستعمراتها فقد دانت -والحمد لله- لجيش التوحيد بعد ذلك.